Tuesday, February 08, 2011

من شباب الثورة إلى شباب التغيير: خارطة طريق

تحية لشهداء تونس، لشهداء مصر، ولأبطال تونس ومصر الذين ينيرون طريق شباب العالم العربي ويقدمون نموذجا لكل زمان مكان، نموذجا لتغلب الإنسان على القهر والظلم، وخارطة طريق للتغيير الحقيقي. تحية لجميع المعتقلين إبان الانتفاضة وتحية سجناء الرأي القابعين في سجون الأنظمة الأمنية منذ عقود.


لماذا الثورة؟ لماذا انتفض الشباب في تونس ولماذا انتفض الشباب في مصر ولماذا يحلم كل الشباب العربي بلحظة التحرر من الجهل والفساد والقمع والطغيان وانتهاك الحقوق الأساسية؟ لماذا يحلم الشباب العربي بكسر حاجز الرعب والحلقة المفرغة التي ولد في كنفها وشب عليها وكاد أن يشيب؟!

لأن الثورة طبيعة الشباب؛
لأن القهر فاق قدرة كل شاب على التحمل؛
لأن أنظمتنا صم، بكم، لا يفقهون؛
ولأنها تستمر ببث الخطاب الممل المتوقع؛
لأن التعايش مع الذل والامتهان عار؛
لأن الجهل بالحقوق ظلم للنفس؛
لأن المعرفة بالحقوق وعدم المطالبة بها جهل؛
لأن عدم الدفاع عن حق الآخر جريمة ضد النفس قبل الآخر؛
ولآن شباب اليوم ليس جيل هزيمة أو نكبة أو نكسة؛ كانت الانتفاضة، وكانت الثورة التي هزت العالم العربي وتردد صداها حول العالم.

لماذا تهرع الأنظمة العربية لعزل شعوبها والترويج لخصوصياتها في محاولة لصد دوائر الماء التي بدأت تتسع. لماذا يحاول نظام تصوير ثورة الشباب كثورة جياع فيما يحاول آخر تصويرها على أنها انقلاب أيديولوجي- على مساحة ما طالت يده من إعلام وصفحات جرائد ومجلات؟

لأن أنظمتنا ظلامية؛
لأنها تستمر بسياسات القهر والظلم والرعب الممنهج والتهميش والإقصاء؛
لأنها تستمر بسياسات التجويع؛
لأن سياساتها ليست سوى شعارات فارغة ومعارك دونكيشوتيه؛
لأنها تدعي أن لها موقعا على خارطة العالم؛
لأنها تدرك أنها ليست سوى موطئ قدم لصناع القرار ومرتكزا لتنفيذ مصالحهم؛
لأنها انقلاب على انقلاب؛
لأنها تعيش عقدة الخوف التي زرعتها، وتعرف أنها موطن ضعفها؛
لأنها "فهمت" أن نهاياتها أصبحت مؤكدة، أطلقت أبواقها وكلابها وشرعت أبواب سجونها.

انتفض الشباب العربي على الحصار، حصار الثقافة والمجتمع الاقتصاد، حصار الكلمة والرأي والمشاركة والحوار والإبداع والفن، حصار الإنسان بكل بكل ما يميزه عن البهائم.
انتفض الشباب في مصر وتونس، ويحاول جاهدا في أكثر من بلد عربي، انتفض الشباب بحكمة وعزم مسخرا وسائل التكنولوجيا والاتصال والتشبيك الإلكتروني والإعلام الحديث ومستخدما الطرق اللاعنفية في الاحتجاج والتظاهر والعصيان ورفع الصوت وكسب التأييد والمناصرة. انتفض الشباب في تونس فخفقت له قلوب الأطفال والكهول والعجز من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.

لا داعي لتسطيح الأمور، فشبابنا ليس شباب التويتير والفايسبوك، مع بالغ الاحترام لعمالقة الشبكات الاجتماعية والتواصل على الانترنت. فالتويتير والفايسبوك ثورة في مجال التكنولوجيا وخدمات الاتصال، ولكنها ليست سوى وسيلة تواصل. والفايسبوك والتويتر ليست خطيبا ولا مبشرا بثورة أو تغيير ولكنها المساحة شبه الوحيدة- بفئتها من حيث سهولة الوصول والفعالية وإتاحة التفاعل- التي ظلت متاحة وإن برقابة شبه مفرطة، ولكن في معظم الأحيان غبية.

لماذا لم تسقط الأنظمة؟
لم تسقط الأنظمة، لم يسقط النظام في تونس، بل سقط أحد رموزه وشتان بين هذا وذاك ولم يسقط النظام في مصر ولكن لا داعي للخيبة فالانتفاضة ليست عيد تحرير، بل مسيرة تغيير تنهي مرحلة لتبدأ أخرى. لم تسقط الأنظمة لأن الإنعاش الدولي كان حاضرا لمساعدتها، وليس لأنها قوية اليوم أو كانت في يوم مضى. لا داعي للخيبة، ولكن الحذر واجب اليوم أكثر من أي يوم مضى، ولأن المرحلة تتطلب رؤية وتحليلا يتخطى عبره الشباب شعارات الحشد والتنشيط إلى.طرح بديل ومشروع قابل للتحقيق.

لم تسقط الأنظمة لأن مصر ليست جزيرة، وتونس ليست جزيرة، ولأن جزر العالم غرقت في عصر عولمة المصالح ’والحرب على الإرهاب‘، ولأن المسافات بين الدول، وبين الشرق والغرب تقاس بمسطرة المصالح والاتفاقيات الأمنية في المقام الأول، ولأن أنظمتنا تتقن هذه اللعبة، وتدرك أنها السباقة في تقديم خدماتها في هذا السياق بأرخص الأسعار.

لم تسقط الأنظمة لأن الشباب، شباب الثورة لم يقدم بديلا، ولأن الأحزاب السياسية المعارضة والمجاملة والموالية لا تمثل الشباب وليس بمقدورها تقديم البديل.

هنا يكمن لب المشكلة والمأزق، مشكلة ومأزق ولكن الحلول والمخارج كانت وما زالت في متناولنا. مشكلة ومأزق لأن أنصاف الحلول أو الفشل، وحتى لو جاء جزئيا، لن يقتصر على ساحة الحدث بل يتخطاها إلى بلدان أخرى في المنطقة، ولأن النجاح سوف يكون الارتدادات عينها.

كسر الشباب حاجز الخوف، ونزل إلى الشارع وأحدث صدمة كبيرة وارتباكا على مستوى النظام الحاكم ولقي تأييدا جماهيريا واستطاع أن يؤطر تحركه بقوام حضاري لاعنفي يحمل استمرارية ووعدا. وكانت الأنظمة بالمرصاد، فامتصت الصدمة الأولى، واستنجدت بالحلفاء، فهبوا لنجدتها، فسوقوا لسلعة ’الانتقال السلس‘ حينا ’والانتقال الدستوري‘ أو السلمي حينا آخر. قامت الأنظمة وبشكل موازي، ببعث ماكينة الرعب والقتل في محاولة لإعادة طرح نفسها خيارا لا بديل عنه في مواجهة خراب وفوضى تتحمل وحده مسؤوليته.

إلا أن ما عجز عنه شباب الثورة، هو طرح بديل قابل للحياة، بديل للنظام القائم يصبح معه الحديث عن إسقاط النظام واقعيا. فالشباب معني بالتغيير وبإسقاط رموز النظام وهيكله ولكن هذا لا يكون بطرح الشعار الثوري بلا مضمون، وإن كان يقول بالتغيير نحو الديمقراطية والمساءلة والانتخابات ومكافحة الفساد ومعاقبة المرتكبين.
فالنظام كما سبق وذكرنا، لا يعوم على قارب، والثورة لا تقوم على جزيرة والنظام قائم على شبكة معقدة من المصالح، تبدأ في الداخل وتنتهي في عواصم القرار. نعم، إسقاط النظام ممكن من الداخل وبلا مخاطبة الخارج وهناك شواهد كثيرة على ذلك ولكن التضحيات كبيرة جدا.

إن خطابا متوازنا يحمل رسالة للعالم هو ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالشباب اليوم يقف في مواجهة النظام في مصر أو تونس، وفي مواجهة الأنظمة الكثيرة- والتي باتت تختلط علينا أسماؤها ورموزها لكثرة التشابه- في منطقتنا وفي مواجهة أميركا وأجزاء من أوروبا –الحكومات والإدارة. إلا أن الخطاب الذي أشير إليه لا يقوم على أساس المزايدة على النظام، وعلى تسليم التعهدات للفريق الخارجي، بل على أساس الإقناع والحوار. نحنا لسنا أعداء للغرب فنحن لا نشكل تهديدا وجوديا له ولا نطمح لتصدير ثورتنا إليه إلا أنه يرى في الثورة تهديدا لمصالحه. إن خوف الغرب يكمن منظومة متكاملة من الاتفاقات الأمنية في سياق ما يسمى ’الحرب على الإرهاب‘ وخريطة النفوذ الإقليمي فضلا عن السلام مع إسرائيل. وإذا حاولنا ترتيب الأولويات أمام هذه الملفات، فإننا وبلا شك نجد أن الاتفاقيات المنية هي الأهم على الرغم من إمعان البعض- لغاية في نفس يعقوب- لإبراز ملف السلام.

وتبقى العقدة الشكلية المتعلقة بالجماعات الاسلامية، وهي عقدة مفتعلة تشبه تلك المتعلقة بالفوضى، فكما رأينا في تونس، ومصر، إن ما يسمى الجماعات التقليدية من إسلامية أو ناصرية، أو غيرها لا تقود الشارع فعلا وهي سارعت إلى مفاوضة النظام، علما منها أن هذا اللحظة يمكن أن توفر نهاية سعيدة لطموحاتها المشروعة في المشاركة في السلطة على طول عقود، وهي لو كانت تتمتع بالصفة القيادية أو التمثيلية، لما كانت متشدقة للحوار ولكان الحوار مع النظام تنازل.

ما أقترحه هنا يتركز حول فهم منطق التسوية وتقديم البديل. إن خطابا متوازنا يوجه إلى الغرب ويحاول بعقل منفتح إقناع هذا الغرب أن الأنظمة الأمنية التي قامت على دعمه، والأنظمة الأمنية التي استمرت بمباركته- بغض النظر عن موقعها في خارطة النفوذ الإقليمي ، أو الأجندات التي تتبناها- هي مصدر القلق في الأساس وهي منتج الإرهاب ومصدره، وأن دولة تقوم على حكم القانون والنزاهة واحترام حقوق الإنسان لن تشكل خطرا على جيرانها أو المصالح الغربية. إن صياغة الشباب لخطاب من هذا النوع يبقى صعبا من الناحية الأخلاقية والمبدئية، فالشباب ليس مضطرا أصلا للقيام بهذه المبادرة، وهو شباب يناضل لمصلحة شعبه ووطنه. والغرب أصلا يتشدق بهذه المفاهيم بكافة قياداته وعلى كافة المنابر، ولكن يبقى لازدواجية المعايير حيزا واسعا في هذا العالم. ويبقى أن أقول، إن الواقعية السياسية، ومصلحة الشعب، ومستقبل الوطن بحاجة لبعض التضحيات وأحيانا التسويات، إذا ما وجد الشباب أن إسقاط النظام واستكمال التغيير يتطلب ذلك.

1 comment:

محمد الوكيل said...

أخي العزيز، جميل جداً جداً اهتمامك الكبير وتشجيعك، والحلول اللي قدمتها.. بشكرك جزيل الشكر، ولك منا وعد بإننا مش هنفشل بإذن الله.. دعواتك لنا حبيبي :)

محمد الوكيل
أخوك من مصر