Tuesday, January 18, 2011
تونس الانتفاضة: تقويم عاجل لتصويب المسيرة والمسار
لا يختلف اثنان أن ما حصل في تونس في الأسابيع الأخيرة من كسر لحاجز الخوف وتمرد على طغيان الحزب الحاكم ومافيا الظل يشكل إنجازا لا بد من التوقف عنده بالتحليل المعمق في الأسباب والديناميكيات والوسائل ولكن هذا منوط بوفرة المعلومات والوقت ونتركه الآن لعدم توفرهما مع ذكر بعض النقاط المفيدة لغرض التقييم والتصويب:
ما وراء الستار/سيناريوهات سقوط الدكتاتور!
انتفاضة شعبية عفوية حصلت نتيجة أحداث دراماتيكية وسنين قمع ومهانة وخوف وتجويع وفساد طبقة من مافيا الحكم لم يعد معها الوضع يحتمل؛
ثورة شبابية افتراضية انفجرت في الشارع بعد قمع واعتقالا نجومها من مدونين منظمي حملات، فكسرت الحواجز وأخذت الدوائر تتسع لتنظم إليها بقية تشكيلات الجماهير التونسية؛
حركة/ حركات سرية من تجمعات نقابية أو حزبية ونخب قرأت متغيرات إستراتيجية خاصة على الصعيد الأوروبي جاءت حصيلة الأزمة العالمية الاقتصادية الخانقة وتصاعد الحركات الفاشية في أوروبا التي تسربت إلى مراكز القرار وبالتالي النظرة الدونية إلى المهاجرين من بلاد المغرب على وجه التحديد (فرنسا، إيطاليا... ) والعمل في هذا السياق على حلول قريبة وبعيدة المدى أحدها إحداث تغييرات في بلد المنشأ لوقف تدفق المهاجرين ولاحقا تهجير المقيمين!
انقلاب داخل الحزب الحاكم (نتيجة خلافات داخل العائلة أو العائلتين او كوادر الحزب وإحداهما والشعور بقرب موت بن علي) أو شبه انقلاب منظم يفضي إلى استمرار حكم الحزب الحاكم مع دفع شعبي متجدد وقد شهدت تونس هذه الظاهرة من قبل وعالمنا العربي حافل بمؤامرات متنوعة من هذا القبيل ومن المفيد في هذا السياق التذكير بوثائق ويكيليكس والتسريبات حول السياسات الأميركية (والتقارب الفرنسي الأميركي المتصاعد) وبالتحديد في سياق احتمال دعم الأميركيين لانقلاب محتمل في مصر! ولا ننسى في هذا السياق التخوف من اتساع رقعة التأثير الإسلامي والحركات الإسلامية في بلاد المغرب وشمال إفريقيا ومحاولة استباقه وتطويقه.
إن الأسباب الموجبة المذكورة أعلاه مجتمعة أو منفردة، متزامنة أو متلاحقة، تشكل مدخلا ضروريا لإدراك المتغير الحاصل والذي لم يتحول تغييرا بعد بمعنى التغيير الجذري أو النوعي او المستدام والذي يبقى عرضة للمراوحة أو العودة إلى سباق العهد المتغير إذا لم تتدارك مكونات الشعب التونسي وحركة التغيير (مع الأمل بأن تكون منظمة في سياق من هذا القبيل!) الأحداث المتسارعة والتدخلات الإقليمية والدولية ووقع التغيير المحلي على الرقعة الجغرافية المحيطة وبالتالي التحديات الخارجية التي لا تقل أهمية وتأثيرا على مسار الانتفاضة، عما يجري في الداخل. ومن قبيل ذلك على سبيل المثال لا الحصر تناول صحف الخليج العربي لانتفاضة تونس على أنها ثورة جياع، بينما قرأتها صحف دول أخرى أشد فقرا على أنها حركة مدمرة تؤدي إلى انعدام الأمن بما يعكس نبض الجوار وخوفه من اتساع رقعة التململ بين أرجائه علما أن القراءتين تفتقران لكثير من الموضوعية والإحاطة بظروف الانتفاضة وخباياها.
إن المشهد الذي رأيناه في الأيام الماضية وسياق الأحداث يؤشر إلى أن ما جرى لم يكن منظما بمعنى غياب قيادات أو مجالس قيادة أو حتى تواصل بين مكونات الحركة في مختلف المناطق، إلا أن ذلك يعد طبيعيا إذا ما نظرنا إلى شكل النظام وطبيعة الحياة السياسية وطغيان سلطة المال والفساد. إلا أن حركة المعلومات والتواصل عبر مواقع الإنترنت والرسائل القصيرة والفيديو وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة استخدمت بشكل كبير وإن كانت هي أيضا لم تستخدم بشكل منظم يراعي الفعالية وزيادة التأثير، فجاءت متفرقة في أطر متعددة لا جامع بينها ولعل في ذلك إشارة أيضا إلى عفوية وتنوع المشاركين في هذه الانتفاضة. وللتوضيح يستخدم في هذا التقييم توصيف ’انتفاضة‘ لبعدها عن الثورة قلبا وقالبا فهي تفتقر للتنظيم والقيادة…، ولعل في ذلك فائدة عليها! ويقتضي في هذا السياق التمييز بين مكونين رئيسين لهذه الانتفاضة من حيث الفئة العمرية وتأثيرها على الصفات الشخصية المشاركين وقدرتهم غلى التحرك والتواصل.
لا يختلف اثنان على تمكن الشباب في مختلف المحافظات من استخدام الإنترنت بشكل فعال للتواصل متى اقتضى الأمر وبالتالي تسخير الشبكة لخدمة هدف التواصل ولاحقا الاستخدام الذكي لكسب الرأي والتأييد وتحفيز العامة. وتبقى الشبكة مسخا أو في أحسن الأحوال ملهاة لجيل عريض من العامة من فئات عمرية لم تتمرس في استخدام الكومبيوتر ولاحقا الشبكة. إن في هذا تأثيرا كبيرا على القدرة على المناورة والتحرك والتواصل. أما الصفات الشخصية فهي أيضا وإلى حد بعيد متصلة ولا يمكن فصلها عن الفئة العمرية. فالشباب متمرد وغاضب يرى الحدود ولا يستوعبها إلا أنه ونتيجة سنين القمع والتضييق لم يخرج قيادات أو حلقات نقاش وتخطيط وبالتالي اعجز من رسم إستراتيجية ذكية على الأمد القصير أو الطويل وبالتالي وضع الأهداف الموجبة لتغيير الوضع القائم بعد هدم الهيكل أو ضمان استدامته! والجيل الأكبر عمرا هو ذلك الجيل الذي يتحمل مسؤولية الشباب ويخاف عليهم ويخاف على نفسه وهو الذي عرف المهانة والخوف والقمع والتنكيل وهو الذي يدرك حقيقة هذه الأنظمة ومدى تشبثها بالسلطة مهما كان الثمن وهو بالتالي غير قادر على مقاربة الحلول الجذرية على أقل تعديل وغير مؤمن بها أو بجدواها في أغلب الأحيان. إلا أن هذه الصفات لا تمنع من التحاقه بحركة أو انتفاضة في حال لمس نجاحا مرحليا حرك في نفسه أملا بتغيير حاله. إلا أن السؤال الأصعب يكمن في مدة قدرة هذا الجيل على المتابعة بعد حصوله على بعض المكتسبات أو اعتقاده بأنه حصل عليها، وبالتالي توقفه في منتصف الطريق وخروجه من المسيرة فضلا عن وقع ذلك على بعض الفئات من الشباب.
في المحصلة
خرج بن علي وخرج البعض المعروف من مافيا النظام وبعد أخذ ورد سريع وجدل دستوري (!) في ظروف استثنائية بين مادة 56 و مادة 57 يتسلم بموجب إحداها الوزير الأول الرئاسة (!) ويتسلم بموجب الأخرى رئيس مجلس النواب (!) مهام الرئاسة وفي جو من الترهيب والقتل والنهب وانتشار الفوضى المنظمة، وتدخل للجيش، فانسحاب، فعودة للتدخل بحسم وأنباء عن دعم جماهيري لددوره. هكذا استقام تطبيق الدستور!
وكأن المراقب من بعيد ينظر إلى أحد أعرق الديمقراطيات، فالرئيس منتخب من قبل الشعب ومجلس النواب يمثل بأغلبيته الشعب وقسم منه يدعم سلطة الرئيس ومجلس الوزراء ورئيسه في خدمة الشعب والذود عن حقوقه ضمان رفاهه.
وبغض النظر عن التحليل المعمق في الأسباب والديناميكيات والوسائل التي أنتجت أو ترافقت وهذه الانتفاضة، والتي من الواجب التذكير بأن أحد أهم منجزاتها تحقق وهو بطبيعته غير قابل للتراجع أو الفقدان في عالم اليوم وهو حاجز الخوف الذي تهشم.
يترأس تونس حاليا رئيس المجلس النواب (قائم بأعمال الرئاسة) بينما يترأس حكومة البلاد رئيس مجلس الوزراء السابق ويضم مجلسه 6 وزراء من حزبه الحاكم- والذي ما يزال حاكما (وإن تسرب شائعات حول قرار لفصل الحزب/الأحزاب عن الحكم/الدولة)- ومن بين الحقائب التي يتولاها هؤلاء المالية والداخلية والدفاع...، كما تضم الوزارة تشكيلا من المعارضة المعترف بها مسبقا في أيام بن علي!
حققت الانتفاضة انجازا نوعيا، مكتسب يبدو لكثر في أول سلم الأولويات الإنسانية. كسرت حاجز الخوف وتغلبت على أشد انتهاك منهجي يشكل طعنة للإنسانية جمعاء، ويمارسه نظام بحق شعبه، انتهاك حق الإنسان في حرية التعبير وفي الحياة والأمان والسلامة الجسدية والعقلية.
أسقطت الانتفاضة الدكتاتور، وبعض من المافيا المحيطة به، ولكنهم فروا بعيدا ومن المرجح أن يكونوا محصنين في وجه أي محاكمة أو عقاب. وبقي الحزب الحاكم أو ربما حزب الحاكم منزها عن كل خطأ وبقي متمسكا بالحكم وبمفاصل الدولية التي من شأنها أن تحضر وتشرف على انتخابات نيابية لن تحصل قبل 6 أشهر على أقل تعديل.
تقييم لتصويب المسار ضرورة، وتقييم لقياس النجاح والمكتسبات ضرورة، والتفكير الملي بيقى ضرورة قصوى والوقت يداهم!
هل تستكمل الانتفاضة؟
ما هي الأهداف؟
تعديل حكومي؛ تغيير كامل للحكومة؛ إسقاط الحزب الحاكم ومن ثم عزله (اجتثاثه- يرجى الاستفادة من تجارب المنطقة والتنبه من الغرائز)؛ مشاركة جزئية للحزب في حكومة ائتلاف وطني تضم جميع الأطياف وبالأخص المعارضة المحضرة بما فيها الإسلامية.
محاكمات عادلة تطال الفترة السابقة بكافة القطاعات والمسؤوليات حول جميع كل الانتهاكات
تبقى الإجابة عن هذه التساؤلات برسم الشعب التونسي عامة والشباب التونسي خاصة وتبقى الإجابة عنها ورسم الأهداف ضرورية لاستكمال التغيير واستدامته أو حتى الاكتفاء بمنجزات الانتفاضة من ناحية كسر حاجز الخوف.
ختاما، أود أن أعبر عن حزني العميق لعائلات شهداء الانتفاضة وأصدقائهم وإلى الشعب التونسي البطل، كما أود أن أعبر لكم عن فرحي العميق بما أنجزتم، فلكم أطيب تحية يا من قدمتم نموذجا فريدا في هذه المنطقة وحركة أثلجت صدور جماهير غفيرة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر! حتى أن كثرا ذهبوا لاستنساخ حدث (حرق الجسد)- على مفصليته- شبه لهم أنه أنتج الانتفاضة، فمخرجاتها!
Labels:
تونس حرة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
This wеbѕite ωas... how do I say
it? Relevant!! Finally I have found ѕomething which helρed me.
Thanks a lot!
Αlso vіsit my web site; payday loans
Post a Comment