Saturday, January 22, 2011

!الطائفية السياسية: نظام حكم أم تعويذة جهنمية

’لبنان إلى أين؟‘، تساؤل يطغى على عقول اللبنانيين والسياسيين في لبنان والعالم ويفرض نفسه ضيفا ثقيلا على مائدة صناع القرار في منطقتنا المأزومة، لا بل على حلبة التصارع على من يمتلك هذا القرار. ضيف ثقيل يضاف إلى قائمة تضم دول أخرى في المنطقة، حلت بها لعنة غياب الكيان أو تغييبه، وانتصار المكونات الطائفية وبسط سلطانها عليه، فتحولت حلبة صراع تتمتع بمواصفات قياسية!

إن التأمل في تاريخ الأزمة الحديثة (2003) التي يمر بها لبنان، المأزوم تاريخيا، تقتضي النظر إلى محيطه الشقيق والعدو، ومحاولة التمحيص في ما آل إليه الصراع في المنطقة منذ الغزو الأميركي المشؤوم للعراق، لعن الله كل من خطط وساهم في تنفيذه فكان مساهما في خراب هذه المنطقة وتعقيد أزماتها ومعاناة شعوبها.

وتطرح محاولة الإجابة على سؤال ’لبنان إلى أين؟‘ إشكالية بالغة التعقيد، بل سهلة ممتنعة، فالمتابع والمحلل الذي اعتاد قراءة الأحداث وتداعياتها وتحليل ما توفر من معلومات، يمكنه في أقصى حد طرح سيناريوهات محتملة لتطور الصراع وما سيؤول إليه. ذلك أن تحليلا معمقا لمجريات الأحداث ومسبباتها وتداعياتها وصولا إلى مخرجاتها يتطلب كما هائلا من المعلومات يكاد لا يطفو على السطح منه إلا القليل في حين لا توفر ويكيليكس مرجعا وافيا وشافيا لهذا الغرض!

ويتفرد لبنان- أو كان يتفرد- في محيطه بتعويذة جهنمية، هي نظام سياسي بدائي يقوم على مبدأ تقاسم السلطة بين المسلمين والمسيحيين والمحاصصة بين المذاهب. وقد مكن هذا النظام المذاهب المتعددة من التعايش في فترات الوقت الضائع بين مراحل تعديله، كما شكل وصفة مثالية للفوضى المستدامة والحروب المتتالية تتخللها فترات من الاستقرار النسبي، استراحة محارب، تسترجع فيها المذاهب أنفاسها لتعود فتنطلق من جديد في صراع محموم على توزيع الحصص وتقاسم الغنائم.

ومن الغرابة بمكان أن هذا النظام، كونفدرالية الطوائف كما يستحسن البعض تسميتها، هذا التعويذة بقي صالحا حتى يومنا هذا، لا بل أنه بدأ يطرح كأحد الوصفات المثالية لبعض الأزمات المستعصية (المستحدثة!) خاصة بعد غزو العراق ووضع المسودات المتعددة لخريطة ما أصبح يتعارف على تسميته بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد على رغم انعدام التجدد أو التوسع!

لا بل من الغرابة بمكان كيف استطاع ساسة هذا الكيان- الشكل- حماية هذه التعويذة والمحافظة عليها، ونفخ روح قدسية متجددة فيها على الدوام. ورغم ما تجلبه هذه التعويذة من منافع ومصالح جمة لفريق الساسة والحاشية على مختلف المذاهب، يبقى خارجا عن المألوف بقاء الحامية- المذهب ببشره- على سلاحها ووفائها وتضحياتها المتفانية للزعامة الطائفية وإن بلا مقابل يذكر. فالحاضنة المذهبية توفر بعض الفرص لحاشية الزعامة أو الزعامات داخل كل مذهب وللدوائر المقربة من هذه الحاشية أو تلك وتقمع كل مختلف أو معارض وهي بالتالي تحكم في الأساس في إطار مبدأ التمييز والإقصاء والتهميش (عرف أو طريقة حكم ما زال يطبق في منطقتنا منذ عهد الخلفاء الراشدين) ولكنها توفر بعضا من مؤسسات تربوية وصحية تزدهر في المناسبات الكيانية الشكلية (الانتخابات مثالا) الأزمات والحروب (!) فيما لا توفر أي إطار لحماية الحقوق الأساسية والتنمية المتوازنة والعيش الكريم.

ومن المفارقة أن الكيان- كدولة- كان دوما مفككا أو عاجزا عن تقديم بديل (ومن الطبيعي أن يكون الأصل) حتى في فترات الاستقرار، بل تحول سلة يرمي فيها كل مذهب ما فاض من حاشيته أو الدوائر المقربة من غير حسيب أو رقيب، في مزيد من الإسهام في تفكيك مفاصل الكيان وتدهور إدارته وازدهار فساده. ولا شك أن توالي الأزمات والويلات، والاستخدام المنظم لمحرك الخوف المتنقل والاشتباك المحدود حينا والعنيف حينا آخر بين المذاهب والطوائف ساهم على الدوام في حصار القلة القليلة العابرة للحدود الفرضية بين مكونات الكيان الشكل، ومنع انتشارها وازدهارها فيما ساعد في شد العصبيات وضبط إيقاعها.

وفيما تنضوي هذه الكيانات الطائفية تحت راية الكيان الشكل، تتصارع فيما بينها في لعبة توزيع الحصص والمصالح والنفوذ وصناعة القرار، وهي في هذا الصراع طليقة حرة في اختيار الأشكال والوسائل والساحات والضحايا، فضلا عن التحالفات التي تنسجها مع الخارج بغية التغلب على الآخر أو فرض توازنات قوة جديدة تخولها تحقيق غاياتها. ويدفع الكيان والبشر على اختلاف انتماءاتهم الثمن الأكبر في هذه الصراعات، حيث تتحول الكيانات الطائفية إلى ألعوبة في يد اللاعبين الإقليمين وأرضا خصبة لصراعات تتخطى خارطة الصراع الداخلي لترسم واقع الصراع والنفوذ الإقليمي. هكذا تتضخم التعويذة الجهنمية، طائفيتنا السياسية التي تلتف على أعناق اللبنانيين، وتسوقهم خرافا في سوق إقليمية سوداء!

ولعل ما نشهده اليوم، وهو جزء من مرحلة بدأت في ذاك اليوم المشؤوم الذي شهد غزو العراق، خير شاهد على هذا النظام ومفاعيله. فنحن اليوم نعيش أياما صعبة، وننسى أحيانا أنها لم تبدأ بالأمس وأنها لم تبدأ حين شكلت المحكمة الدولية، لا بل نبحث في المحكمة ولا نبحث في موجبات إنشائها، ونمعن فيها طعنا بتهمة التسييس من هنا
أو التنزيه من هناك، فللضرورة أحكامها، وثقافتنا لا تعرف أو تحتمل منطق المؤسسات، فكيف إذا تمتعت هذه المحكمة بشخصية مستقلة يصعب التأثير فيها أو استمالتها. وهكذا أصبحت المحكمة على كل لسان، شعار آخر، شأنها شأن موازنتا وفسادنا ... و سلاح ظرفي يشهره فريق ضد آخر.

وإذا تعمقنا في صورة الصراع الحالي وخلفيته تتوضح الصورة وتفقد رماديتها. لا جديد في صراع اليوم، هو عينه الصراع القديم المتجدد وعنوانه تعديل صيغة هنا أو أخرى هناك تفضي في المحصلة إلى تغيير التوازنات القائمة وإضافة حصة لهذا الفريق أو ذاك. ومن الأهمية بمكان ألا ننسى أن تاريخ هذه الأزمات في لبنان حافل بالنزاعات الدموية والحروب الصغيرة والمتنقلة وأن إخراج الحلول المؤقتة (كل تعديل أو اتفاق هو مؤقت لحين تمرد فريق آخر على الصيغة) لا يتم إلا بعد جولات عنف وحروب عبثية تخطف الأرواح وتدق الأعناق وتخلف دمارا أشبه ما يكون بحرب تموز 2006- ويبقى احتمال وارد أيضا أن نشهد حروبا إضافية على شاكلتها- ولكنه يختلف عنها بتعميم المشهد على كافة التراب اللبناني، بل الغبار فمساحة التراب في تناقض منقطع النظير!

لبنان يتجه إلى قلب العاصفة...أحد السيناريوهات المحتملة وإن بدأت تزداد حظوظه، ولكنه يبقى رهن معطيات إقليمية ودولية لا تتوافر لدينا معلومات كافية بشأنها بل مجرد غمز وإشارات. هكذا كان وقع الكلام السعودي عن التقسيم وعن الأخطار المحدقة بهذا البلد، كلام ينم عن انفعال- مصطنع كان أو عفوي وهو بأي حال يعبر عن ما لا يقال صراحة. ويمكن أن يترجم هذا الكلام في سياق هذا السيناريو المقترح على أنه إشارة إلى أن المنطقة متجهة نحو إعادة تشكيل تختلف فيها التوازنات مع تناقص ملحوظ لسطوة المملكة وقدرتها على دعم تيار المستقبل. كلام تقاطع مع خطاب قادم من إيران مفاده أن الأمة اللبنانية ستقطع يد العابثين فيها والمحكمة، يلاقيه كلام من حزب الله يدعو للعبرة مما يجري في العراق واليمن وتونس والمنطقة. سبق هذا كله إشارات مباشرة من فرنسا- الأم الحنون- حول اتفاق الطائف واحتمال وضعه على طاولة البحث وغمز من البعض حول اتفاق الدوحة الذي أصبح يعرف بدوحة 1 في إشارة لاحتمال الانتقال لدوحة 2.

هل بات تغيير مواقع القرار والنفوذ أو رسم خريطة القوى في المنطقة قريبا؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فنحن نتجه إلى عين العاصفة. .إن ما نعانيه من أزمات لا تلبث أن تهدأ حتى تستعر من جديد (منذ بدأت أي قبل اغتيال الحريري) لم تشهد حلا لأن المعادلات الدولية والإقليمية لم تسمح بنشوب حرب طويلة وعنيفة بما فيه الكفاية تنهك الأطراف المتنازعة وتمكن الرعاة الإقليميين والدوليين من رسم حدود القوة والنفوذ وبالتالي تقسيم الحصص ضمن طائف جديد. أما الإجابة بلا، فيترتب عليها استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه بأزماته المتنقلة والمتجددة ودوحاته إلى أجل غير مسمى.

ويبقى أن يدرك اللبنانيون أن أحد أبرز ما يتغنون به، تعايشهم، مشوه، كذبة وحقيقة في آن، حقيقة لا أساس لها (!) ما دام نظام هذا التعايش نظام يتحكم بمصير كيان لا يرحم مكوناته. نظام لا مكان فيه لنظافة الكف والخلق والصدق، نظام لا يسمح بتشكيل وطن، ولا بتنشئة مواطن له هوية وانتماء يحق له العيش في وطن يكفل له حقوقه الأساسية ويحترم كرامته الإنسانية.

ويبقى أن يدرك اللبنانيون يوما ما أن هذا النظام الذي يتغنون به والذي يشبه لهم أنه يوفر لهم مساحة من الحرية منقطعة النظير في هذا الشرق هو وصفة فوضى وضمانة لإعادة إنتاج الأزمات والحروب، هو بالحقيقة طاغية- تنين برؤوس كثيرة ولكن أعمى- يسطو على مقدراتهم- بشرية كانت أم مادية- ليهدرها. متى نصبح أحرارا؟ سؤال أفضل عدم الإجابة عليه.

1 comment:

I Emilie :) said...

بسمح لحالي اعتقد اوقات انو في اشكالية كبيرة و عدم فهم عند الزعما اللبنانيي لقواعدن الشعبية. يعني بعد كل مجزرة معنوية لفريق لبناني ت يطلع زعيمو يفهمو ليش جرو ع هالخيار... و المواطن بيرجع ينتخبو هو ذاتو بعد فترة، متل البسين يللي عم يلحس المبرد. برأيي قطع دابر الاقطاع السياسي و فصل الدين عن الدولة هني المخرج الوحيد... بس كيف؟ و بكم قتيل؟ اسئلة صعبة!ه