أخيرا انطلقت إشارات الأمل بالتغيير في بلدنا الحديث العهد بنظامه- شأنه شأن كافة البلدان العربية الأخرى- والقديم العهد بقبليته وطائفيته وتقوقعه وضيق أفق شعبه. صيغة "بنت ال 1943" لم تسمح ببناء وطن أو تربية مواطن. صيغة منعت القبائل (الطوائف) من التصالح مع الماضي فلا مصالحة بلا مصارحة ولا مصالحة خلف أبواب مقفلة وغرف سوداء ولجان حوار عقيمة. لا مصالحة بين شيخ قبيلة أو إقطاعي أو زعيم من هذه الطائفة أو تلك تخلو من تصالح الإنسان مع الآخر، هؤلاء البشر الذين هم المدماك الأساسي والقنبلة الموقوتة في آن. صيغة 43 نفسها كرست كل انقسام وقمعت كل تمرد. بأبخس الأسلحة. حروب ضيقة لخدمة مصالح ضيقة. حروب ضيقة تهدف أساس للحفاظ على مصالح القائد الأعلى، شيخ القبيلة لأي طائفة انتمى والحاشية، على حساب بناء وطن وتنشئة مواطن ومصلحة وطن ومواطن. صيغة غير قابلة لإصلاح أو تطور. صيغة رجعية انعزالية هي ثمرة مرحلة ما بعد الاستعمار كمثيلاتها في البلدان العربية. صيغة لا تقل شأنا عن الاستعمار، فهدف الاستعمار تسخير الشعوب وتشريع أبواب البلدان لشتى المصالح بمنأى عن مصلحة البلد الفأر. فأر مختبر مدجن مهجن هي الصيغة، تتحكم هي الأخرى بفئران بافلوفية وتمنع تطورهم ليصبحوا بشرا، فمواطنين، فطلاب حق، أو كأننا مزرعة ماشية تضم قطعان لعدة تجار دمغ كل واحد رؤوسه بخاتم الدكتاتور. خراف للذبح أضحية فيعلو سعرها في موسم الإنتخابات لتجديد الولاء لراعي القطيع. هكذا يبدو البلد اليوم وهكذا كان. صيغة مسرطنة شأنها شأن جميع الأنظمة الديكتاتورية. نعم،صيغتنا، وبعدها طائفنا، احتضنت طائفيتنا السياسية- لا طوائفنا- وجردتنا من إنسانيتنا ككائنات اجتماعية تتمتع بقدر من الحس والذكاء والطاقة وولع بالمشاركة والمساهمة الفاعلة في صنع الحاضر والمستقبل كما التصالح مع الماضي. نظام يختصر وجودنا بممثل سامي لا يمثلنا، تاجر أو راعي ماشية وكلاب تنبح من كل حدب وصوب. نعم، حرية التعبير مكفولة في لبنان، ولكن التفكير، كان ممنوع إلى حين! عما نعبر. عن مشاعر قبلية بدائية. ومن يسمع؟ شيخ القبيلة والعشيرة. وهل كنا غير صدى الزعيم؟
أخيرا انطلقت إشارات الأمل بالتغيير في لبنان. نعم تحرك الشارع اللبناني تحت تأثير انتفاضة الشباب العربي. نعم كان هناك نواة وهي دوما موجودة داخل أي مجموعة فاسدة كانت أو صالحة. نواة التغيير نعمة طبيعية. أصل الخلق ونعمة الخلق! نواة التغيير تشبه ثقب أسود تنطلق منه شرارة التغيير إلا أن تلك الشرارة تبقى دوما خارج عالم النبوءات والتدجيل وتوقعات المدجلين أو عملاء المخابرات في ليالي رأس السنة(على التلفاز)!
أخيرا انطلقت إشارات الأمل بالتغيير في لبنان. ماذا بعد؟ ما العمل(!)؟
إن الحروب أو الثورات أو الانتفاضات لا تنجح بمجالس ثورية ومجالس قيادة وما أشبه ذلك من عبارات تأتي غالبا على حساب تكوين الإنسان والفرد والفكر وتنتهي إلى شكل جديد من الاستبداد. والحروب يمكن أن تكون ناجحة بمخرجاتها- نعم- وهناك العديد من الأمثلة في التاريخ القديم أو المعاصر حول حروب أنتجت بدائل قابلة للحياة وأنهت فترات صراعات عقيمة وحروب شكلت عارا في تاريخ الإنسانية. ونحن خضنا حربا قتلنا فيها نواة إنسانيتنا ومثلنا بنواة إنسانية الآخر في سبيل إعلاء شأن شيخ القبيلة الذي يحكمنا اليوم. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الخلل يكمن في فكرة القيادة وضرورتها، إلا أنه يكمن لا شك في منهج القيادة وشكل القيادة واختيار القيادة وبالتالي اختيار مشروعها وتكريس مشروعيتها، وبالتالي شكل الحكم ونظام الحكم. وهذا ما افتقدناه في حضارتنا العربية والإسلامية وفي ثقافتنا وفي فكرنا وفي خطابنا ونفتقده اليوم أكثر من أي وقت مضى في مسيرة التغيير والتي إن لم ترقى إلى هذه الثقافة ستبقى صفحة أخرى تضاف إلى سلسلة عجزنا عن ملامسة إنسانيتنا وملاقاة مواطن قوتها وطاقتها وسحرها.
نعم عرفنا السلطة، ولكننا لم نعرف غيرها. عرفنا القمع والذل والحروب، وعرفنا الحرية المشوهة والتعبير المشوه والرقابة الذاتية وهي ليست الوجه الآخر لثقافة المهانة والخوف باستثناء ما خص التجريح والحض على الكراهية. عرفنا السلطة ولكننا لم نشهد ممارسة للسلطة سوى بمفهوم الترهيب والتخوين والإقصاء والتهميش والتمييز بين أبناء الطائفة الواحدة وأبناء الطوائف المختلفة وأبناء الطبقات المختلفة. ولم تخرج السلطة يوما عن منطق تكريم الحاشية والموالاة وتهميش المعارضة وقمعها وهذا أيضا تاريخ أمتنا منذ عهد الخلفاء الراشدين. ولم تخرج الحاشية يوما عن التمجيد الرخيص للحاكم ودس الدسائس والتحريض على المعارضين، ولم يخرج المعارضون يوما عن منطق الانتقام والتمثل بالنظام السائد عند الاستيلاء على السلطة. ولم تطرح المعارضة يوما بديلا قابل للحياة بمعنى الحياة التي تلحظ كرامة الإنسان والحق في الاختلاف بلا عواقب بل معاقبة وخيمة(!). نعم عرفنا النظام الطائفي اللبناني الذي لا يحمي الإنسان ولا يعترف بإنسانيته أصلا والتي هي أعمق وأرحب من معتقده الديني على أهميته وضرورة احترامه كما أي حرية معتقد. نعم نريد إسقاط هذا النظام الطائفي بكل رموزه المكتوبة والمتعارف عليها(!). نعم لإسقاط رموز هذا النظام، تلك الأصنام التي لها ألسن ولكن بلا حياء.
في الأمس القريب، شهدنا سقوط بن علي ومبارك ونائبه(الحاكم من خلف الكواليس)، ونشهد قريبا سقوط قائد الثورة، صاحب الكتاب الأخضر، ملك ملوك أفريقيا، جزار أفريقيا. وسوف نشهد كثر بعدهم، فالطابور طويل والبصيرة قصيرة! شهدنا السلاطين تتهاوى، وتنازع للحصول على فتات انتفاضة الشباب، ومحاولة الاستمرار بلحس الأصابع الزفرة بعد فقدان المائدة. فهمتكم، أنا فهمت كل واحد منكم قال بن علي. كم كان مقزز سماع كلامه. كيف يتجرد آدمي من إنسانيته حين يصبح عبدا للشهوة، أي شهوة، وللسلطة، أي سلطة وكم نجد من هذه الفصيلة الفريدة من القردة في لبنان. تلك القردة التي تمثل الصيغة، قردة هي صنيعة الطائفية السياسية. قردة لولا الطائفية السياسية، لكان تسنى لها- بل لبعضها في أحسن الأحوال أن تصدق خبر داروين فتتطور وترقى لتصبح بشرا شأننا نحن الفئران إذا تعرفنا على مواطن قوتنا، وتعلمنا طول النفس- ثقافة هي الآخرى لا بد أن نكتسبها- وصنعنا التغيير الذي يحولنا بشرا.
إن مسيرة تغيير يكتب لها النجاح لا تتحقق إلا بمشاركة مختلف شرائح المجتمع، وهي بذلك تشكل حاضنة الانتماء والروح الوطنية التي هي أساس في الذاكرة الجماعية لأي شعب. وهذه الشرائح لا تقتصر على الشباب وإن كان النواة، ولا تقتصر على المتعلمين، أو المهنيين، أو أصحاب المهن الحرة، أو الأفضل حظا على رغم المأساة المشتركة والمزمنة. هي مسيرة تتخطى أولئك لتشمل كل الكادحين والمهشمين، وكل الفئات العمرية من نساء ورجال. إن مسيرة التغيير اليوم تفتقر لهذه التعبئة وهي بحاجة لها أكثر من أي وقت مضى. إن مسيرة التغيير بحاجة إلى خطاب مقنع، يتوجه إلى العامة وبكل الوسائل وأولها الكلمة التي تفوح كالرائحة الطيبة وتتنقل في الأرجاء - وأتمنى أن يشكل هذا المقال وكثر من أمثاله نقطة بداية على طريق جذب الآخر أو تحييده بالحد الأدنى. علينا بإقناع أنفسنا قبل الآخرين، وحسم خياراتنا، وعلينا بعد ذلك بالكلمة في المنزل وفي العمل وفي سيارة الأجرة وفي الشارع وفي القهوة والمطعم.
هكذا، وبهذه السهولة، تهتز الأنظمة فهي بلا ركيزة. نحن الركيزة ولكننا فضلنا لعصور أن نكون كرسي زعيم آدمي مثلنا، يتغوط مثلنا ويأكل مثلنا مع بعض الفوارق النسبية. ولكن الأنظمة لا تسقط بالكلمة ولا بالمظاهرات فحذار. حذار يا تونس وحذار يا مصر وحذار يا كل ثائر ومتمرد لأي بلد انتميت. هذه الأنظمة بلا استثناء، بغض النظر عن شعاراتها البراقة، وبغض النظر عن انتماءاتها أو تصنيفها في عالم الخير والشر، عالم العصور المظلمة (عالم بن لادن وبوش الأب والإبن واحتلال العراق "والحرب على الإرهاب" والمصالح الإقليمية والدولية ومحور الخير ومحور الشر)، اعتادت لعبة الكر والفر، وسياسة فرق تسد التي هي سلاح الدمار الشامل الذي ابتكره الاستعمار، وأورثه لتلك الأنظمة البديلة التي ما زالت تتحكم برقابنا مستعملة إيانا سلاحا وذخيرة في آن. هذه الأنظمة لا تسقط بسقوط وجه أو قبعة وهي تحتاج لطول نفس وتعبئة شاملة ومسيرة طويلة تبدأ فعليا بعد الإنهيار او سقوط الصنم. هي مسيرة يجب أن تأخذ بالحسبان حجم المصالح الدولية والتوازنات الإقليمية وبالتالي الأعداء. ولا بد من الانتباه إلى أن المصالح تتخطى النفط، وتتعلق بالماء والمناخ وحتى الهواء(!) وفي أسوأ الأحوال تسعى للحفاظ على سوق استهلاكية ضرورية وعلاقات استراتيجية.
علينا أن ندرك أن هذا الوحش الذي نواجه هو وحش بألف وجه ووجه، وهو ما زال يبسط سلطانه من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، ولكنه وحش جريح وخائف، وبالتالي يصبح الخطر مضاعف والتضحيات كبيرة وشبه حتمية ولا بد من أخذها بالحسبان. علينا أن ندرك أيضا أن هذا الوحش هو دمية متحركة ولكن بشعة، دمية بيد دول القرار والقوى الكبرى وهي بالتالي سوف تهب لنجدته. هكذا رأينا ساركوزي يرحب بالانتقال الدستوري في تونس قبل أن يعلم الشارع برحيل بن علي(!) في محاولة لكسر عجلة الانتفاضة ووقف اندفاعها والحفاظ على النظام الدمية. ولكننا رأينا حتى اليوم إصرار الشباب التونسي على متابعة المسيرة حتى صنع التغيير الحقيقي. ورأينا أيضا تضارب المواقف الأميركية قبل سقوط مبارك، ثم سليمان (تضارب علني لفظي سببه تهيب أوباما من إعاقة مسيرة شابة ولا عنفية تحمل خطاب الديمقراطية وهو على أبواب انتخابات في مقابل مبعوث يحمل هم المصالح الإستراتيجية، وإن بمفهوم ضيق محدود الأفق فأي إستراتيجية تلك؟). ورأينا قلة الحياء، وعشنا الصدمة أمام الصمت العالمي والتنكر للإنسانية في حالة ليبيا بالتحديد، وعلي أن أذكر هنا موقف وزير الخارجية الإيطالي الذي تحدث عن إمارة إسلامية في بنغازي على حدود أوروبا وتلاه خطاب للقاعدة وتلى هذا كله قصف ومجازر في بنغازي وقدوم لأساطيل حربية لحماية الإنسان الليبي(!). غرابة ما بعدها غرابة أو غباء منقطع النظير وأميل للأخير كتفسير. علينا أن ندرك أن سياسة الإدارة الأميركية تعيش لحظات كل إمبراطورية مترفة وصلت بعد العسكرة والتوسع إلى مرحلة الانحلال والانحطاط. علينا أن ندرك أيضا أن التمويل الضخم للترسانة والآلة العسكرية كان على حساب تنمية الموارد البشرية لطاقم السياسة الخارجية وبالتالي حتمية انحدار هذه السياسة وغرقها في وحول الجهل والظلامية والتفكير "الاستراتيجي(!)". علينا أن ندرك أيضا أن أوروبا غارقة في الإسلاموفوبيا والمهاجرفوبيا حتى ولو كان المهاجر أو المسلم مواطنا(!)، وتنحو بخطوات متسارعة نحو تعميم حكم اليمين المتطرف الأعمى.
إن مسيرة التغيير لا تنطلق إلا بنواة من الداخل، ولا تحيا إلا بتضحيات من الداخل، ولا تنتصر إلا بإصرار من الداخل، فلا يجب علينا الرهان على أحد يأتي من الخارج بخطاب أو بدعم أو بتفكير "استراتيجي(!)"، وعلينا بالرد الواضح والقاسي على ما قد يأتي من هذا القبيل. إن مسيرة التغيير تنتصر حين يدرك البشر أن المعتقد الديني هو ملك لفرد أو جماعة ولكنه ليس قطارا سريعا يتوقف في محطة السلطة. كل دين هو ثقافة وحضارة ونظافة وطهارة وإيمان وهو هدية من الله لمن اهتدى. لمن اهتدى فلا إكراه في الدين بل محبة للآخر وعدم خيانه أو إيقاعا به، لا بل تقبل للآخر على اختلافه. هذه هي حدود الدين، أي دين، كما أفهمها شخصيا وهذا رأي يخصني. ولا تكون الطائفة أو المذهب خيارا في معظم الأحوال، كما أنها لا تبني وطنا، بل تجمع بشرا يجمعون على معتقد ديني. وحتى هذا أمر مشكوك بموضوعيته، فكيف يكون معتقد، وقلة من اعتنقه فعلا، بمعنى أن أي معتقد هو خيار واعي ومعرفي بالدرجة الأولى فكيف بالأحرى إذا كان معتقد ديني يطاول حياة إنسان بكل ما لذلك من معاني ويقتصر رغم ذلك على كونه موروث(!).
الطائفة لا شأن لها بإدارة الحكم وشكل الحكم ووسائل عمله، فهذا شأن آخر وهو علم قائم بحد ذاته لا يمكن تجييره لدين أو أتباعه وبهذه الصفة بالتحديد مع احترامي الكبير- وإن مع تحفظ في كثير من الأحيان- للشرائع الدينية.
إنطلاقا من كل ما ورد، علينا أن نتشبث بفصل الدين عن الدولة، بمعنى نزع فتيل الطائفية السياسية التي لا ترحم ولا تعدو كونها مولد أزمات متكررة. لا علاقة للسياسة بالقضاء والعدالة. لا ديكتاتورية للطوائف تحرم علماني من حق ممارسة معتقده لمجرد الاختلاف مع الجماعة ولا للحرب الضروس حتى على زواج مدني اختياري. هي لاءات أربعة في الحد الأدنى وتبدأ مسيرة بناء الوطن والمواطن ويمكن بعدها أن نضم عبارة "المصلحة الوطنية" إلى قاموسنا الوطني في حين استخدمت ملايين المرات في تاريخنا المعاصر بقصد لا أفهمه حتى اليوم. ولا بد هنا من كلمة أخص بها الأحزاب اللبنانية، علمانية على قلتها أو طائفية، كلمة أخص بها أيضا كل الطبقة السياسية اللبنانية. إن مسيرة التغيير بدأت وهي لن تتوقف حتي تحقيق التغيير المنشود. لن يوقفها تهديد ووعيد، ولن يوقفها خطاب موتور يؤجج العصبيات (ويمكن أن يصل في ملاذ أخير إلى تهييج شارع هنا أو هناك في محاولة لتكرار تجارب مريرة أو التذكير بها وبالتالي استخدام سلاح الرعب والخوف لترهيب الشباب وإخضاعهم). إن سياسيا يود مناصرة هذه المسيرة عليه بتغيير نفسه أولا، فهو جزء من تشكيلة أصنام لا نود رؤيتها بعد اليوم، مع الاحترام للشخص- وإن كان كثر منهم لا يستحق الاحترام أصلا. وهذا ينطبق على كل الأحزاب السياسية مشاركة في الحكم كانت أو لم تكن، لأنها فشلت في الدور الوحيد الذي وجدت من أجله الأحزاب أصلا. وبصريح العبارة، لا يوجد أحزاب سياسية في لبنان بالمعنى العلمي ويجب إعادة بناءها وإلا فهي آيلة للسقوط لا محالة. ثم ان حزبا يصر على أمجاده لن يضره إجراء مراجعة نقدية جدية لمسيرته إلا في حال كان من أحزاب الشخص الواحد وما أكثرها. وعليه فإن زعيما يدعي أنه مع التغيير، عليه أولا بالاستقالة من حزبه أو تياره أو طرح هذا التغيير على أجندة نقاشات الأحزاب الداخلية (الشكلية والبهلوانية) أو إعادة بناء الأحزاب على أسس جديدة عوضا عن التحدث الجذور وأية جذور؟!
وأخيرا أود أن أعبر عن اشمئزازي من التكرار الإعلامي المتواصل لعبارة "شباب الفايسبوك". الفايسبوك وسيلة اتصال، شبكة اجتماعية افتراضية يمكن أن يجتمع فيها البشر لأسباب شتى من الحوار الثقافي ، إلى السباب إلى الجريمة المنظمة. الفايسبوك استخدم من قبل الشباب للتشاور والتنظم. التويتر استخدم للتعبئة أيضا. اليوتيوب استخدم بشكل فعال لنقل الحدث أيضا. لماذا؟ لأن لا حرية صحافة في مشرقنا ومغربنا. لأن إعلاميا محايدا أو مستقلا ومهنيا هو تحفة نادرة الوجود إذا وجدت. كفى استخفافا بعقول شباب شرع في صناعة شبه المستحيل. الفايسبوك وسيلة. الحذاء أو الصرماية أو السيارة وسيلة أيضا، فهل يصح قول عبارة "ثورة شباب السيارة" كي لا نقول أمرا آخر. إنها انتفاضة شباب لم يعرف الهزيمة ولا النكسة ولا النكبة، شباب جبار، يعي الصعوبات التي يواجهها، يرى العالم من حوله، يرى الفرص والوسائل ويطالب بحقوقه الأساسية. شباب يطالب بوطن يؤمن به، ووطن يوفر وسائل العيش الكريم بلا تكلف لهذا الزعيم أو ذاك، بلا منة، بلا تمييز، بل على قدم المساواة مع الآخر في المسؤولية والحقوق والواجبات واحترام الكرامة الإنسانية.