Friday, August 31, 2007

!بلا دموع

يشعر بحاجة عظيمة للبكاء
دموعه جفت قبل سقوطها
فراغ قاتل ملأ صدره
لم يمض على مراهقته بضع أيام
مرت كقطار هشم وجهه
مرت بأجزاء من ثانية في ذاكرته خائنة

يشعر أنه يعيش وقتا مستقطع
سرقه من أطفال ماتوا جوعا قرب كومة من عظام
عظام لبست ثوبا ملونا لمرأة من قبائل دارفور
سرقه من عشاق تبادلوا آخر قبلة على حائط مسجد تلون بنار دمائهم
سرقه من طاغية لفظ آخر أنفاسه على حبل مشنقةلم يتسع أيضا لواضعيها
أرواح تحلقت حول عنقه
لامست فراغ صدره
قتلته بصمتها
يجهش بالبكاء

Tuesday, August 28, 2007

أحلى الأوهام

أعذريني كلما سال دمع السماء
أسمعيني وقع أنفاس الإله
حين تختلط رائحة المطر برائحة شعرك
حينها أسبح في شوارع بيروت

أبحث عن جزيرة تقيني المطر
أبحث عن باب أغلقه يقيني البرد
أبحث عنه وهو راحتي وعذابي

وتنتابني رغبة جامحة لأغوص في جنوني
أغتصب لحظة، أحاول خلقها
أصحو، أراك من جديد
أتساءل، هل أنت حقيقة أم سراب أم سحابة شتاء جديد؟

.

Friday, August 24, 2007

!يا بلدنا

ما هذا الضجيج
لم أعد أحتمل
لا بد انها قرقعة نعال الجزمات
تمشي بنا حيث تريد
لا تغير خطواتها

تعيد الكرة
لا تشعر بالملل
ليس لها لغة
لا تدرك كيفية استعمالها
ترى الكلمات فقط
لا تدركها

النعل صلب
العقل يكمن في الداخل
يتحجر، والنعال تتشابه بحيث لا تميزها
قيمها واحدة، قيمها جامدة
إيقاع النعال واحد
تجتمع النعال، نعال مجتمعة

.

Friday, August 17, 2007

III دفاتر عاشقة

...كان وجهه من دخان
يمكن ان تراه لا أن تلمسه
تتطاير من حولنا

تتقاذفنا كلمات وآهات
وعاد إلى فانوسه السحري
يا ترى، ماذا يتمنى هذا الكائن الغامض؟

فيلسوفي الأمير ينزل ليلعب بين اختلاجات صدري
في حقول الشوك والياسمين التي أسيج بها روحي
يلعب معي، يلهث، لكنه لا يمل أبدا
...فيلسوفي الأمير قد تغير،أو لعله سمع ندائي أو أدرك بعضا من أفكاري، حي هو، لا بل أكثر الناس حياة

وإن أحببت، فأنا أعلم كيف تحب، وأعلم كيف تنتهي في الحب، وأعلم كيف تعود لتشعله نارا بمن تحب
...لا أخاف حبك، فبين أصابعك بقايا من انغام أردتها لي وبقايا عطري وبقايا عزفي وبقايا جسدي

II دفاتر عاشقة
.

Tuesday, August 07, 2007

السقوط

أشعر ببعض الكآبة، لا بل الكثير منها. تلتف حول عنقي، أتذكر بعضا من فتات أفكاري، فتات كنت أفرقه على شكل نظريات على زملائي في الجامعة. كانت تأخذني موجات من فوقية ونشوات. كانت تلك الوجودية التي ادعيت ممارستها، في شتى فضاءات يومياتي لا تعدو كونها مرحلة أو مذاقا طيبا صعب المنال، يصعب الحفاظ عليها كما ييستحيل تحويلها طريقة عيش قابلة للحياة. أشعر ببعض من زيف، أو كأن خديعة مارستها على نفسي سقطت، فسقطت معها في دوامة ملل وكآبة. لماذا أكتب؟ وعن ماذا أكتب وهل مازلت قادر على الكتابة أصلا؟ هل الكتابة خديعة هي الأخرى وإن مارستها ببعض من إتقان زائف آن له هو الآخر أن ينكشف، طاويا آخر حصن أختبىء وراءه.
أشعر بكثير من الكآبة، أشعر أيضا أن تلك الحالة الهدامة حقيقية إلى أقصى الحدود، حقيقية كمعاناتي، تبتعد كل البعد عن زيف أفكار ظننت نفسي أعتنقها، عن زيف يوميات عشتها وآثرت إعطاءها أبعادا فلسفية لا تحتملها. هل أشعر بالندم؟ وعلى ماذا وهل ينفع الندم أصلا؟ هل أدرك أبعاد طرح أسئلة كهذه؟ إن اسئلة بهذا الحجم كفيلة فور طرحها بإسقاط تلك السحابة التي طلما اختبئت خلفها، تلك السحابة نفسها التي أشبعتني نخبوية زائفة. إن أسئلة بهذا الحجم تعني سقوطي العظيم الذي أصبحت بأشد الحاجة إليه، أسئلة كلما تأخرت في طرحها، عظم سقوطي، وصعبت معه محاولاتي لأتصالح مع ذاتي.
أشعر بكآبة حقيقية تلامس حد الإكتئاب. أشعر أيضا ان أسبابا عبثية تكمن وراء ذلك الشعور، حوادث عرضية. أن أطرح أسئلة تهدد بنية وجودي المزيف، هذا الأنا، على خلفية حوادث طارئة، لأمر يشعرني بألم مضاعف. أن أدخل مرحلة نقد للذات على خلفية تقاطع صدف غريبة لشيىء يثير إشمئزازي، من نفسي بطبيعة الحال. كيف وصلت إلى الدرك الأسفل وما زال نصب عيني ذلك السقوط العظيم؟ أرتعد خوفا، أشعر بألم عظيم.
رفعت السماعة، تكلمت مع أحد أعز أصدقائي. شعرت بكآبة فظيعة. لم تكن المكالمة لعتاب أو لتبادل آراء ونظريات. كانت تلخص حال صديق عزيز بعد سنة من انقطاع عن العالم الخارجي. سنة من الإنطواء على ذات شبه محطمة. سنة انطواء وعجز أو شعور بعجز. لم يكن بمقدوري رفع شيىء من معاناته، لم أتحلى بالجرأة الكافية لأقول له أن معاناته يمكن أن تشكل مخرجا مما هو أسوأ، مما وصلت إليه. أن معاناة رغم عظمها يمكن أن تحمل في طياتها بداية أفق جديد وحرية قابلة للحياة. لم أتحلى بالجرأة، فحملت معاناته وأسكنتها زاوية من جمجمتي. تبادلنا أشواقا وبعض ذكريات وانصرف كل منا إلى ذاته.
خرجت مع أحد اعز أصدقائي لتناول الغذاء. ذهبنا إلى مطعم شعبي يقدم اشهى المأكولات اللبنانية. لن انصرف الآن على عادتي لوصف تلك الأطباق والمطعم على الرغم من أن ذلك لفعل ممتع ويرتد على القارىء بكثير من المتعة، ذلك أن هاجسا آخر يسكنني. أشعر بكثير من الكآبة. شربت الكثير من العرق البلدي، وأكلت أكثر. حدثني صديقي ببعض من الصراحة، وضع سلة همومه إلى جانب صحون شهية اجتاحت الطاولة. أكلتني همومه ولم أتحلى بالجرأة الكافية لطرح أفكار وهواجس تعود بفائدة لا تقدر بثمن عليه. أودعت سلة همومه جانبا من رأسي المخمور وعدنا غلى العمل.
منذ فترة وأنا أمارس التواصل الإفتراضي مع بعض من معارف وأصدقاء وغير ذلك ولن أدخل هنا في توصيف مباشر لأولئك أو لمحاور تلك دردشات لأن أمر آخر يشغلني، أشعر بكآبة، كثير من الكآبة. أشعر أن معاناة وهموم بعض الأصدقاء، ودردشات خضتها، وأفكارا طرأت ولم أحلى بالجرأة لطرحها، أشعر أن مجموع صدف غريبة تكاد تطرحني أرضا، تكاد تدك رصاصة رحمة في بنية شخصية، بنيتها أو شبه لي، شخصيتي! هل يمكن أن أكون هشا إلى هذا الحد؟ هل يمكن ان أكون بهذا الدهاء كي أخدع نفسي طوال هذا الوقت؟ هل يمكن أن أتحلى بهذا القدر من الغباء، فتنطلي علي الخدعة؟ هل تكون حمى انتابتني وأكون ما زلت أعاني آثار بعض هلوسة تطرحني لحين، وتزول؟
أشعر بألم مضاعف لأنني وحتى هذه اللحظة لا أتحلى بالجرأة لوضع بعض من أفكار تقلقني على شكل جمل. لا أتحلى بالشجاعة الكافية لكتابة ما لم أستطع قوله في مكالمة هنا أو جلسة هناك أو حتى دردشة. أشعر باكتئاب من هروبي الكبير، من أنا تقض مضجعي. أشعر بمرض عضال، بوهن، بضعف، بعجز، وأشعر أن في داخلي بعض مني يكاد ينفجر. يخاطبني وبنصحني وأعطيه أذن عملاقة، ولكن صماء. أعتقد أنني بحاجة لمساعدة بعض من نفسي، ولكني أعجز من ذلك الآن. أشعر بصداع مخيف

أشعر منذ حين أن شخصا آخر يسكنني. أشعر انه اعتاد رفقتي منذ زمن. علاقة عبثية ربطتنا ومزجت أمزجتنا، فبتنا نعتاش على بعضنا بعض. سريالية لا أدعي فهمها، أعيشها فقط. مؤلمة هي إلى أقصى الحدود. لا أدعي حتى أني اعتدت رفقتها. نعيش على فتات تفوخ منه رائحة العفونة. نعيش في دوامة من ألم وامل في آن. نحيا تناقض ما بعده تناقض. شخص آخر يسكنني، يتلذذ بمعاناتي ويفرح بتعستي، يبغضني. أحاول تفهمه، ألوم نفسي لذنب ربما اقترفته بحقه، أعجز عن ذلك، أشعر بصداع عظيم، أسمع قهقهته في أرجاء جمجمتي، يزداد صداعي.
أدرك أيضا أن طبيبا في الأمراض النفسية سوف يشعر بفرح كبير إذا ما عالجني وأن حالة كهذه يمكن أن تشكل مادة بحث خصب يستطيع إجراءه. فهناك جوائز لأبحاث كهذه، جوائز تعطى لطبيب يتمكن من رصد حالة ألم لا يطاق لدى إنسان آخر. أن يجلب ألم أعاني منه فرحا لأبله يسكنني أمر اعتدت تقبله على مضض. أن يجلب ألم أعاني منه نجاجات وجوائز لطبيب ما في هذا العالم، لسريالية لا أدعي فهمها

Dissociative Identity Disorder راجع

حكايات من بيروت- الجزء الخامس

يثقله ليل العاصمة، يثقله صمتها الذي يلف شقته ويقطع عنها النور والهواء. لا مكان لضوضاء في هذه الناحية من رأس بيروت، لا شيء يعلو فوق طنين أفكاره في شارع الحمراء، هذا الشارع الذي فقد بريقه الليلي أثناء الحرب الأهلية ولم يستعده في أيام السلم. إنتقل عمر إلى هذه الشقة بسبب خوفه من رجال المخابرات. شعر بتهديد حقيقي. كادوا أن يدقوا مفصلا تاريخياً في حياته. أخلت الشلة شقة السوديكو قبل يومين من اعتقال سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية. في نيسان 1994، دخل سمير جعجع السجن ولكن عمر ظل طليقا، وكذلك مازن ومعين ووديع وطوني "القوتجي الشاذ" الذي كان شبه مقيم مع الشلة. قال له مازن أن رائف حذره من البقاء في الشقة. أخبره أن العميد أبو رائف طلب من إبنه عدم زيارته في الشقة لأنها مشبوهة! أخبره أيضا أنه يحبني ولكنه قال أن "عشرتي" سيئة. قال له أن الشقة تأوي شاذين جنسيا ومدمني مخدرات وأن معالجة هذه الشواذات ضرورية لأمن الشباب والمجتمع. لم تكن حبكة أبو رائف بجديدة على عمر، فهي أحد أسهل وسائل الإبتزاز التي يمكن استخدامها. علم عمر أن والد صديقته لن يدعه وشأنه. علم أن الوقت حان لينفذ تهديده

جلس خلف مكتبه في قسم الميكروفيلم في مكتبة يافت. سمع طرقا على الباب، تبعه دخول رجلين بلباس عسكري. وقف أحدهم قرب الباب واقترب آخر نحو مكتبه. رفع قبضته الحديدية وخبط بها فوق المكتب. قفز المكتب الخشبي المعتق وسقط محدثا جلبة رهيبة.
- "كب الإبرة بتسمع رنتا" قول صنع لقسم الميكروفيلم في المكتبة. خير انشالله، هناك خطأ في العنوان بالتأكيد!
- "يا عمر بيك، بنت العميد مش لإلك، يعني رقبتك منفكا والذبان الأزرق ما بيعرف وينك إذا بعد منشوفك معا".
- "العنوان صحيح، عفوا! ومع ألف سلامة، وبلغ العميد تحياتي. اللي بيطلع بإيدو يعملو".
إقترب الحارس، الرجل الذي حافظ على صمته حتى سماعه كلمات عمر الأخيرة، بدا وكأنه يود تمزيقه بين أسنانه المبعثرة في فمه الضخم. أبلغه أنه سيراقبه لأسبوع واحد وأنه لا يود أن يراه مرة واحدة بعدها إلا إذا لم يأخذ كلامه على محمل الجد. خرج الرجلان وتركا عمر الهادىء المتمرد على حافة بركان. لم يشعر يوما بهذا الغضب. أمسك بخزانة الميكروفيلم الحديدية وشدها نحو الأرض، لم تهتز! شعر بألم في ظهره، شعر بصداع قسم رأسه إلى نصفين.

يجلس على الشرفة المطلة على فندق البلازا، الأضواء مطفئة، الظلام يلف الشارع. على بعد أمتار من هذه الشقة، من هذا الشارع الميت، يرتفع الريغوستو على درج عملاق في مبنى الحمرا سكوير، ويرتفع البارومتر على درج متواضع في البلو بلدينغ بينما يتلطى أبو إيلي في بناية اليعقوبيان. يبتسم عمر، يطوق هذا المثلث شقته بحيث لا يستطيع مغادرتها إلا ومر بإحدى زواياه. لا مفر عبر الحمرا، عبد العزيز، كاراكاس، لا مفر من حواجز المحبة الليلة التي تحتضنها بيروت الغربية فتحتضنك! بيروت الغربية، لطالما أخذته هذه التسمية، وكأنها شيفرة سرية يقرأها عقله وتسري في عروقه.

يشعر عمر بوحشة فضيعة، يشتاق للشلة التي مضى أشهر على آخر اجتماع لها. قرروا في تلك الليلة المشؤومة من شهر نيسان 1994 أن يتفرقوا لأشهر. قرروا أن بيتعدوا عن أعين المخابرات والليل. يتمنى لو كان بإمكانه أن يفتح دفتره المجعد، دفتره الذي يحتوي إلى جانب القهوة والشاي والنبيذ والرماد بعض سطور خطها في الليالي السوداء. يتمنى لو يظهر مازن أو معين أو وديع أو طوني من قلب الظلام. يتمنى أن يحصل أي شيء يمكنه كسر هذه الوحشة التي تخنق صدره. يود قراءة بعض مما كتب لوديع ويود سماع بعض تعليقات معين. يود قراءة يوميات مازن ومسودة رواية جديدة يكتبها طوني. سوف يكتفي بدردشة بسيطة مع أياد زميله الجديد في شقة الحمراء، زميله الذي لم يتعرف إليه بعد. عرف فقط أنه في أمستردام، لعله يد خن سيجارة من "الحشيشة البعلبكية" الآن. الحشيشة البعلبكية من أفخر أنواع الحشيش، وهي تباع بأعلى سعر في أمستردام وهي تضاهي بعشرات المرات جودة الحشيشة الأفغانية. وفي مقاهي هولنده يضيفون الحشيشة للحلوى فيصبح من الممكن لمن لا يدخن أصلا أن يتمتع بطعمها ورائحتها! حتى أن المقيمين في بلجيكا على سبيل المثال يتكبدون مشقة السفر برا، ويدخلون هولنده في نهاية الأسبوع ليوم أو اثنين من أجل تناول "الحلوى الهولندية".

الله وأكبر... أطرق مستمعا لآذان الفجر ثم أتى ضجيج من الداخل، أغلق باب الشرفة، سمع دقات قوية على الباب. فتح الباب ليجد شاب ضخم أسمر بذقن طويلة ورأس صغير ينزع نظارته عن عينيه ويدخل بلا استئذان.
- أياد الحج، أنا أسكن هنا، تصبح على خير!
لم تكن هذه اللحظة المنتظرة بطبيعة الحال وعمر الذي كادت تقتله وحشته أصبح بأمس الحاجة إليها الآن بعد هذا اللقاء الفاتر. لم يتوقع علاقة حميمة مع هذا الشاب الذي سوف يقيم معه الآن ويبدأ العمل معه قريبا في مكتبة الجامعة، لكنه لم يتوقع أيضا هذا التبجح. لعله تحت تأثير الحشيش. قال له رفاقه أن مفعول الحشيش يمكن أن يستمر لساعات. لعله تناول بعضا من الحلوى على الطائرة. ربما جاء ببعضها في هذا الكيس الأحمر الضخم الذي ألقاه قرب الباب. لا تستطيع الحصول على نصف ربع أوقية من حشيشة الكيف البعلبكية الفاخرة بأقل من $25 دولار في بيروت، هذا إذا توفرت، وهم يضعونها في الحلوى في أمستردام، هذه هي الإمبريالية القذرة! ولكن المفتشين من جمارك وأمن عام في مطار بيروت لن يعرفوا بقصة الحلوى الهولندية على الأرجح، يفكر عمر. لعله جلب بعضها، يا ليتني أملك الجرأة لبعثرة محتويات هذا الكيس اللعين!

الأجزاء السابقة.

Friday, August 03, 2007

حكايات من بيروت- الجزء الرابع

أفاق كالمجنون، نهض من فراشه وأخذ يبحث عن جهاز الخليوي. تجاوزت الساعة الثانية صباحا، هل أصابها مكروه، ماذا يمكن أن يحصل له إن أصابها مكروه، سوف ينتحر بالتأكيد. إصطدم بالكرسي الخشبي المكسور فوقع وكاد أن يكسر رأسه، شعر بصدمة خفيفة. يضع هذا الكرسي في الغرفة لتعليق الملابس. يكره وضع ملابسه في الخزانة وفي نهاية الأسبوع يصبح الكرسي جبلاً من ثياب. يقترب صوت الخليوي، ينظر إلى يمينه، يرى وميضا في حذائه، لا بد أنه يهلوس.
ألو، معين، هل أنت مجنون، تتصل في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ -

هل أنت نائم، الساعة ما زالت الثانية، عفوا حبيبي، ولكن يجب أن أراك الآن، وقعت في غرام إمرأة رائعة، يجب أن نتكلم -
معين، أريد أن أنام، وأنت تقع في الغرام كل يوم، ماذا تغير الآن؟ -
صدقني يا عمر، أعرف أنني في معظم الأحيان أقول هذا ولكن هذه المرة، أنا متأكد، وجدتها! -
طار النوم من عيوني بكل الأحوال، تفضل ولكني أنذرك من الآن، ثمن الإستشارة زجاجة نبيذ، وإلا ستبقى تسمع صرير أسناني طوال الوقت.
أشعل عمر مدفئة الغاز وتربع على الأرض أمامها حتى اشتم رائحة حريق ثيابه. البرد يخترق عظامه. يكفيك سماع الريح في الخارج وزخات المطر على النافذة حتى ترتجف من البرد. كيف كان يعيش في الجبل؟ يفكر عمر. قالت له جنان أن ضعف الكلسيوم يزيد الإحساس بالبرد. لعلها محقة، حين يضعف الكلسيوم يدخل الصقيع إلى العظام. يتخيل أول جرعة من زجاجة النبيذ، يتمنى إلا يشتري معين أرخص نوع نبيذ. يعرف مذاقه. يتحطب فمه ويجف ويشعر بعطش ولا يعود بإمكانه أن يبتلع ريقه الذي جف خاصة إذا كان يدخن وما نفع النبيذ من دون تدخين، يفكر عمر. وما نفع التذخين من دون شرب.

سمع صوت المصعد، خرج إلى غرفة الإستقبال. نظر من منظار الباب. رأى جارته وفاء. تصل في مثل هذا الوقت من كل يوم. يبدو عليها الإعياء. جسم ممشوق طويل، شعر أسود ناعم، بشرة حنطية وعيون واسعة، تتحلى وفاء بجمال وشخصية لطيفة جداً. تعمل في ملهى ليلي في شارع المقدسي الذي يمتد بموازاة شارع الحمراء لجهة الجامعة الأميركية. تتقاضى راتبا شهرياً لا يتجاوز ال400$. ترسل نصف المبلغ لوالدتها التي تعيش في الخارج مع حفيدتها سارة، إبنة وفاء. تدق الساعة السابعة مساءً فتجلس وفاء على البار المواجه للطريق. تفتح الباب بشكل نصفي. تلبس صدرية مزركشة و"سترينغ" وتفتح فخذيها للمارة في محاولة لإصطياد فريسة. تعاني كثيراً في أيام المطر والصقيع! تقتضي وظيفتها التحدث إلى الزبون وشرب البيرة معه. لا تمارس وفاء الجنس مع الزبائن أبداً. هذه الأماكن غير مرخصة كمراكز للدعارة. تذكر وفاء مرة زار فيها شاب "مشكلجي" البار. كان يضع صليباً كبيراً على رقبته. شرب 4 قناني بيرة ورفض أن يدفع. لا تذكر وفاء إن كان ذلك أثناء أو بعد الإجتياح الإسرائيلي بقليل. نظرت إلى الباب فرأت جيباً عسكريا متوقفا في الخارج. قالت له: لو كنت بمفردك لكنت أوسعتك ضربا! أجابها بصفعة قوية على وجهها ودخل شابان مسلحان وأغلقا باب البار. لم يسلم أحد في الداخل. صاحب البار وزوجته، ثلاث بنات، وشاب كان برفقة إحدى البنات، نال كل منهم نصيبه من الضرب. خرج الشبان كالأبطال واتجهوا بسيارة الجيب صعودا إلى شارع الحمراء. بعد عدة أشهر، اكتشفت وفاء هوية ذلك الشاب، هوية تلك الصفعة التي لن تنساها. رأت صورته في جريدة لم تعد تذكر إسمها. كان عنصراً القوات اللبنانية شاع فيما بعد أن مسؤول عن مجزرة صبرا وشاتيلا واغتيل بعد مضي حوالي عشرين عاما على المجزرة.

فتح الباب فدخل معين وكأنه خارج من مستنقع. خلع حذائه الذي كان يقطر ماءً. كان يرتجف من البرد.
- إفتح قنينة النبيذ، الليلة طويلة، وتحسبت لها جيداً، ستجد في الكيس 3 قناني نبيذ وقالب جبنة قشقوان.
- يبدو أنك مغروم فعلاً يا معين، أسمعنا.
- أين أياد؟
- ذهب إلى الجنوب.
- جيد! أنا أعرفك جيداً يا عمر وأردت أن أتكلم معك لأنك صاحب عقل كبير. لم أتكلم إلى مازن أو وديع لأنهما سوف يسخران مني.
- أنا دبلوماسي، مازن ووديع لا ينقصهم عقل يا معين. من تكون سعيدة الحظ؟ هل تتوقع صبي أم بنت؟
- أود أن أسألك سؤالا قبل الدخول في الموضوع. وفاء، جارتك، هل تحترمها أم تعتبرها إنسانة ساقطة!
- أنا أحترمها بالطبع يا معين وتكلمنا عن هذا من قبل. لا علاقة لي بعملها وأحترمها في نطاق علاقتي المحدودة بها. هل وقعت في غرام وفاء؟
- لا، أردت أن أتأكد. لقد تعرفت على فتاة رائعة الجمال. لا يمكنك أن تتصور أن هناك فتاة في بيروت بهذا الجمال. إنسانة لطيفة وبسيطة تختلف عن جميع الفتيات اللواتي تعرفت عليهم من قبل. رائعة باختصار. لكن هناك مشكلة، في الواقع مشكلتان. اسمها كاتيوشا وهي روسية الأصل وتتكلم الإنكليزية بشكل متواضع، هذه المشكلة الأولى. المشكلة الثانية أنها تعمل في "كاباريه"!
يأخذ قطعة من جبنة القشقوان ويشرب جرعة من النبيذ، يبدو أن معين إشترى نبيذا فاخراً. هذه الليلة لا تحتمل النبيذً السيء، يفكر عمر.
- دعنا نفكر يا معين بهدوء ودعنا نعود قليلاً بالزمن. كم مضى على معرفتك بكاتيوشا؟
- قلت لك أنني مغرم بها فما فائدة هذا السؤال. ألم تقل لي ألف مرة أن الزمن ليس معياراً من معايير الحب وأن الحب لا يقاس بالسنين؟
- بلى يا معين، معك حق. حسناً، لا أرى مشكلة في كون كاتيوشا روسية الأصل، أما بالنسبة للغتها الإنكليزية فأنت لست بأحسن حال. المشكلة تكمن في عملها. قلت أنك مغرم بها، أخبرني كيف تعرفت عليها وكم من الوقت قضيت معها. تكلم يا أخي ولكن بصراحة.
أخذ معين علبة السجائر، أخرج سيجارة، إشتم رائحتها وكأنه خبير سيجار كوبي. بللها بريقه وأشعلها.
- لم أرك يوماً تدخن!
- إلي شي أسبوع صديقي، "نسيت النوم وأحلامو"، سأبدأ من هنا. لقد مضى أسبوع وأنا أنام أقل من ساعتين في النهار. أذهب إلى الفرن في الساعة السابعة صباحاً وأبقى هناك حتى الخامسة. أذهب بعدها إلى البيت وأنام كالقتيل لساعتين. أصحو فأشرب فنجان نسكافيه. ملعقتي أكل كبار نسكافيه وملعقتي سكر وبالكاد أفتح عيوني. أشرب نصفه ويغلبني النعاس، يقع من يدي فأحترق وأقفز صارخا ككلب مسعور. أحلق ذقني وأستحم. ألبس ثيابي وأتوجه إلى الجنة، إلى عين المريسة لأرى كاتيوشا.
- يبتسم عمر، كاتيوشا، الوفاء للمقاومة يا معين! "عمبمزح، روق".
- أصل إلى مدخل الملهى الفخم. حارس يفوق طوله المترين يبتسم ابتسامة عريضة ويؤدي لي التحية فأعطيه خمسة آلاف ليرة وأدخل. أجلس أمام "البيست" على مقعد مخملي أحمر. أشعر أنني أملك الدنيا. لا يوجد أحد غيري في الملهى. تعلو الموسيقى وتتنوع بين العربي والفرنجي. "كاسيت العربي لمحسوبك، تقدمة من خيك معين". أمامي تقف طاولة مستديرة على ساق واحدة كبهلوان. ساق الطاولة بشكل ساق راقصة تضع في رجلها خلخال وتقف على رأس قدمها المثبتة بالأرض. ينزل الساقي صحنا من الفواكه فتشعر لمجرد رؤيته أنك تنحدر من سلالة ملوك. صحن ذهبي كبير يتوهج تحت أضواء خافتة ملونة فترسم على دائره إطار لوحة نابضة بالحياة. قطع من إجاص وكيوي وخوخ ودراق وليمون وحبات عنب وكرز وكل ما يمكن أن تشتهيه من الفواكه موجود في هذا الصحن على مدار المواسم. يشتعل كأس كريستال نصف ممتلىء بالويسكي الفاخرة على الجانب الأيمن من الطاولة. صخرة ملونة تقف على الحافة اليسرى يخرج منها دخان يميل إلى الزرقة، سيجار "كوهيبا طويل لخيك معين".
يفتح عمر قنينة النبيذ الثانية، يشعر بحاجة إلى كثير من الفواكه. يستأذن معين ويدخل المطبخ. البراد الصغير المتعفن والذي تفوح منه رائحة الرطوبة كفيل بإفقاده شهيته المفاجأة. يفتح البراد فيجد تفاحتة تآكل نصفها وبقي النصف الآخر سالما ولكنه يشبه بشرة عجوز جاوزت التسعين من العمر. يقطع النصف السليم ويحاول التخلص من القشرة الهرمة المتبقية. يقطع التفاحة المقشرة إلى عشرات الأجزاء الصغيرة. يضعها في صحن صغير ويعود على عجل.
- أتريد أن أكمل أم أعود غداً، يضحك معين مصدراً صوت شخير المعهود كلما ضحك. لدي فكرة أخرى يقول معين. ما رأيك أن أعرفك على كاتيوشا غداً؟
- كاس كاتيوشا، تابع يا رفيق!
- حسنا، ما أن تدق الساعة الثامنة حتى تخفت الإضاءة الخافتة أصلا وتضاء أرض "البيست" فتدخل "الأرتيستات"، هكذا يسمونهن. "كيف الحجال يا أبو عمير، هيك، بيوقفوا قدامك وبيوقف قلبك معن". يبدأ ال show ويأخذ صديقك معين سيجاره، ويسند ظهره على المقعد المريح ويأخذ يتأمل كاتيوشا. كاتيوشا أطول مني بعشر سنتيمترات، بيضاء البشرة، شقراء الشعر. تقف على قدمين من حرير وأنامل من ذهب. أشعر بالنار تشتعل في جفوني وأرفع عينايا رويداً رويداً كي لا أفقد اكتمال القدمين بالساقين. خصر حورية، خصر كاتيوشا. ينحصر فوق حوضها وكأنه يختتم لوحة اقتربت من الكمال حتى تتفلت منك عين فترفع فجأة لتكشف أسرار النهدين. تجلس كاتيوشا إلى جانبي. أحتضن أجمل امرأة عرفتها في حياتي. عيناها الزرقاوين وخدودها الممتلئة وشفاهها النابضة بالحياة. تنبعث من بشرتها الحريرية رائحة الحياة. تشعر أنك ستحافظ على شبابك مهما طال الزمن لطالما استبقيت هذه الحورية إلى جانبك. تحرقك كاتيوشا حين تحتضنها، تشعر أن ناراً صقلتها وما زالت مشتعلة في داخلها. تشعر أن سبابة يدك وجدت أخيراً خلاصها، خاصرة كاتيوشا.
- تصبح على كاتيوشا، انغرمت بها يا معين، واضح يا معين ولن أقول لك أن ما تشعر به ليس حبا. لا أستطيع أن أحكم. لا يحق لي أن أحكم وما أدراني. دعنا نعالج المشكلة. هل تعلم كاتيوشا أنك تحبها؟
- طبعاً تعلم، أنا أتحدث معها يا عمر. قالت لي البارحة أنها تحبني أكثر من أي شخص التقته، قالت لي أنها لم تحلم برجل بهذه الرقة. طلبت مني ألا أشتري الشمبانيا وأن أكتفي بالبيرة.
- "drink beer on bar, cheap".
- لا أحتمل رؤيتها مع أحد غيري. لذلك أطلب الشمبانيا! لا يوجد حل آخر حتى انقضاء الثلاثة شهور المتبقية. رفضت أن تأخذ سوار الذهب الذي ابتعته لها. طلبت أن أحتفظ به وأقدمه لها في منزلي. قالت أنها لن تعود أبداً إلى هذا السجن وأنها ستصبح لي وحدي إلى الأبد.
- لا يمكنك أن تفعل ذلك يا معين، ستنفق كل ما لديك من مال إذا لم تخسر الفرن. فلتترك هذا العمل وتحاول أن تتدبر أمرها في وظيفة ما. لا داعي لأن تعمل حتى، ما تنفقه أكبر من أي راتب!
- الأمر أصعب من ذلك ومعقد للغاية. كاتيوشا كمئات الروسيات والقادمات من أوروبا الشرقية لم تأت إلى لبنان لهذا العمل. جاءت لترقص في فرقة استعراضية لقاء 250$ شهريا ولمدة 6 أشهر. الفرقة الإستعراضية تتحول إلى "كاباريه" لحظة وصولها إلى بيروت. يصادر صاحب العقد أوراق سفرها وتصبح رهينة طلباته. يمكنها الإمتناع عن العمل ولكنها تحرم من معاشها المتواضع وتموت جوعا. لا تخرج من الأوتيل إلا برفقة موظف لدى صاحب العمل.
كانت تعمل في روسيا مدرسة للفيزياء وكانت قد حصلت على شهادة جامعية بدرجة جيدة، ولكن ضيق الأحوال المادية وإدمان والدها ومرض أخيها وعجز أمها أسباب دفعت بها إلى البحث عن مصدر مال إضافي. أخبرها صهرها الذي يعيش في منزلهم مع زوجته وولديه وشبه العاطل عن العمل أن لديه صديق في المافيا الروسية قادر على تأمين عمل جيد لها في لبنان. لم تكن قد سمعت قبلها ببلد إسمه لبنان ولم تكن تعلم أنها تمتلك موهبة الرقص! قال لها أركاشا أن العمل المتوفر يمكن التدرب عليه بسرعة وأنها سوف تتقن الرقصات المطلوبة في غضون أيام. أخبرها أن الزبائن الذين يرتادون العروض أناس طيبون وأن القنصلية الروسية تتابع أوضاع العمال الروسيين عن كثب وتهتم بكل حاجاتهم. علمت أيضا أن صديقه بوريا على علاقة طيبة بأحد العاملين في القنصلية هناك وأنه ينسق مع صاحب العمل الذي يدير العديد من قاعات الرقص. شعرت أنها ستكون نجمة في عروض إستعراض ستجوب أنحاء لبنان الشاسعة، هذا البلد الذي يمنكها فيه رؤية الثلج والبحر ولبس الثياب الصيفية والشتوية وتوفير مبلغ كافي من المال يمكنها إرساله لعائلتها. لم تعلم كيف أهدى الله أركاشا الذي لم يأت بعمل مفيد للعائلة طوال 5 سنوات. كيف جاء بهذه الوظيفة. هل تسامحه على تحرشاته الجنسية اليومية؟ تفكر كاتيوشا.

كان يعود مخموراً بعد منتصف الليل، يدخل فراشها القريب من باب المنزل، هذا المنزل الذي يحتوي إلى المدخل الواسع غرفة واحدة فقط. لم يقم بمضاجعتها أبداً، لم يقو على ذلك. كان كل شيء يحصل بسرعة. يخلع ثيابه، يأوي إلى فراشها لأن الأولاد نائمين بجانب زوجته. يداعب ثدييها، فتدير ظهرها وتلتف حول نفسها في وضع جنيني. لا تنطق بكلمة فأختها التي اتهمتها مراراً بإغواء زوجها سوف تطردها من المنزل. لا تنطق بكلمة ولو واحدة لأن أركاشا كان يرتعش فور ملامسة قضيبه لقفاها ويجلدها بسيل من نار لزجة! يتعالى شخيره في لحظات. تستحم وتشرب قهوة ما بعد منتصف الليل. تجلس على حافة الفراش. تنظر إلى أركاشا ثم تنظر إلى السكين الذي يضعه على الطاولة قرب المدخل. هذا السكين الملوث بالدماء. لم تره يوماً نظيفاً. لن يلوثه مزيد من دماء أركاشا أو حتى ناتاشا، تفكر كاتيوشا. تشفق على طفليهما الصغيرين، فقط لو كان معها المال الكافي لحملت يورا وداشا في منتصف الليل وخرجت. لا، لو معها مال كاف لوضعت أمها وأخيها في المشفى ودفعت قليلا من الأوراق الخضراء لأحد أصدقاء أركاشا كي يقتله ويقتل زوجته ويقتل والدها. كانت بحاجة إلى المال!
- والراتب هو مقابل الرقص في "الكاباريه"!
- الرقص ومسايرة الزبائن، إلا إذا طلب زبون قنينة شمبانيا وحينها تحصل على 15$ لقاءها. تباع قنينة الشمبانيا ب 150-250$ وتعني أن الفتاة ستجالس الزبون طوال الليل وتخرج معه في النهار التالي لمدة ساعتين "وفهمك كفاية".
- هل خرجت برفقتها؟
- أطلب الشمبانيا لأجلس معها حتى الفجر ولكني لا أريد أن أخرج معها. لا أريد أن أشعرها أنني اشتريتها. لا أريد أن أشعر بذلك.
- لماذا ذهبت إلى هناك أصلا يا معين؟
- لا تسألني، لا أعرف! ماذا يجب أن أفعل؟
- لو كنت مكانك يا معين لأخبرت كاتيوشا أنني أريد التوقف عن رؤيتها حتى انتهاء العقد وبعدها يمكنك رؤيتها حتى لو سافرت إلى روسيا. لا يوجد حل آخر. لا يمكنك الإستمرار على هذا النحو! إدفع لصاحب الملهى يا أخي. قل له أنك مستعد لدفع ضعف راتب كاتيوشا فيسمح لها بمغادرة العمل.
- يجهش بالبكاء، أحبها يا عمر، أحبها! طلبت منه ذلك، ويأخذ محرمة يمسح بها دموعه. قال أن كاتيوشا أغلى من الذهب وأنها ستعمل عنده لسنوات طويلة.
- "جرب البولونية، طيبة"... تجلس مع كاتيوشا كل يوم، لم تجرب الرومانيات بعد، ستنسى الكاتيوشا وجميع أنواع الصواريخ!
- يضحك عمر، "كاس إم الما بحبك يا معين"، هل نسيت منى يا معين؟
- هيه هيه هييي.
يضحك معين من قلبه، تشعر وكأنك ترى ذلك القلب الكبير يرقص في صدره. من أنت يا معين؟ يتساءل عمر. كيف يستطيع هذا الإنسان الضحك؟ كيف يتغلب على مأساته؟ هل هو الكذب المتواصل؟ هل يصبح الحقيقة الوحيدة ويستحيل كل ما حوله كذباً؟ - للمرة الألف أقول لك... لم تكن تستحقني، منى لا تعرف الحب. أنت تعرفني، أنا لا أكذب. أحببتها بصدق! .
الأجزاء السابقة

Wednesday, August 01, 2007

السجينة



تنفض عنها بقايا شهور طويلة
تفتح عيناها
تبصر النور بعد مخاض عسير
تفتقد دفىء سجن رطب صغير
سجن صنعته على حجم جسدها
ترى السجان
تبكي، فتغفر
كانت تتنفس تحت الماء
تشعر بخوف كبير
تسمع أصواتا صاخبة
تميز بعضها
تتذكر
تغرق عيناها بالدموع
تحس بمرارة
خرجت إلى السجن الكبير